شدّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخميس من الرياض على أن واشنطن لا تخيّر أحدًا بينها وبكين، ساعيًا إلى إظهار جبهة موحّدة مع السعودية، حليف بلاده الاستراتيجي، رغم الخلافات بينهما.
وبرز دور بكين، خصم واشنطن، في الشرق الأوسط في آذار/مارس الماضي عندما رعت اتفاقًا مفاجئًا بين الرياض وطهران، خصمها اللدود، على استئناف العلاقات بين أبرز قوّتين إقليميّتين في الخليج بعد سبع سنوات من القطيعة.
وفي ختام زيارة للسعودية استمرّت ثلاثة أيام وهدفت إلى تعزيز العلاقات مع المملكة النفطية الثرية، أكد بلينكن في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي، "أننا لا نطلب من أحد الاختيار بين الولايات المتحدة والصين" مضيفًا "نحاول ببساطة إظهار فوائد شراكتنا والأجندة المتوافق عليها التي نقدمها".
من جانبه، قلّل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان من أهمّية التحليلات التي تفيد بأن بلاده تتقرّب من بكين على حساب العلاقة مع واشنطن. وقال "لا يزال لدينا شراكة أمنية قوية مع الولايات المتحدة يتم تجديدها بشكل يومي تقريبًا"، رغم ترجيحه تنامي التعاون مع الصين.
في السنوات الأخيرة، توتّرت العلاقات الأميركية السعودية بسبب قتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، ورفض أكبر مصدّر للنفط في العالم المساهمة في تخفيف ارتفاع أسعار الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأضاف الوزير السعودي "نحن جميعًا قادرون على إقامة شراكات والتزامات متعددة".
- تشكيك أميركي بشأن الأسد -
وحاول بلينكن التخفيف من حدّة نقاط خلافية أخرى خصوصًا بشأن سوريا، بعد إعادتها إلى جامعة الدول العربية مؤخرًا وتطبيع الرياض العلاقات معها.
وأكد بلينكن أن بلاده لا تؤيّد إعادة سوريا إلى محيطها العربي، لكنها توافق على الأهداف المتمثلة بالعمل على آلية سلام والتصدي لظهور تنظيم الدولة الإسلامية من جديد والسماح بالوصول إلى المساعدات الإنسانية ومواجهة تهريب المخدّرات.
وقال "يجب أن أعترف بأننا نشكّ في استعداد (الرئيس السوري بشار) الأسد لاتخاذ الخطوات اللازمة، لكننا نتفق مع شركائنا هنا حول ماهية هذه الخطوات، وعلى الأهداف النهائية".
ودافع بن فرحان عن دعوة الأسد إلى القمة العربية التي انعقدت الشهر الماضي في جدّة. فقال إن "الوضع الذي كان قائمًا لم يكن مجديًا، إنما كان يخلق عبئًا متزايدًا على دول المنطقة وعلى الشعب السوري".
ووضعت الدول العربية مسائل أساسية على طاولة النقاشات مع دمشق بينها أزمة اللجوء السوري خصوصاً في دول الجوار، ومكافحة تهريب المخدرات التي تُعد أحد أكبر مصادر القلق بالنسبة لدول خليجية وخصوصاً السعودية التي باتت سوقاً رئيسية لحبوب الكبتاغون المصنّعة بشكل رئيسي في سوريا.
واعتبر بن فرحان أن هذه المسائل تتطلب "حوارًا مع دمشق" مضيفًا "نعتقد أن هذا المسار يمكن أن يحقق نتائج، لم تحققها مسارات أخرى".
وفي ما يخصّ السودان، أقرّ بأن المساعي السعودية الأميركية لوضع حدّ للنزاع لم تحقق "نجاحًا كاملًا" لأن الطرفين المتحاربين لم يلتزما، لكنّه أكد أن التعاون مع الولايات المتحدة مستمرّ مع احتمال التوصل إلى "هدنة أخرى".
وكرر الوزير السعودي موقف بلاده الرافض للتطبيع مع إسرائيل بدون إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية.
وتأمل الولايات المتحدة أيضًا أن تطبّع السعودية العلاقات مع إسرائيل التي سبق أن طبّعت دول عربية عدة بينها الإمارات والبحرين علاقاتها معها عام 2020 بموجب اتفاقات رعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وفي ملفّ حقوق الإنسان الذي يشكل نقطة خلاف أخرى بين واشنطن والرياض، رفض بن فرحان خضوع المملكة لأي "ضغط".
وبعيد وصوله الثلاثاء إلى جدّة، أجرى بلينكن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "محادثة مفتوحة وصريحة" وأثار معه قضية حقوق الإنسان، وفق مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن اسمه.
- 300 مليون دولار -
جاءت تصريحات الوزيرين في ختام اجتماع وزاري للتحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية سعيا خلاله أيضًا إلى إظهار موقف موحد في ما يخصّ مكافحة الجهاديين.
وكان هدف الاجتماع جمع 601 مليون دولار لتمويل صندوق مخصص لإرساء الاستقرار في العراق وسوريا. وقد تمّ جمع 300 مليون دولار حتى الآن، وفق ما جاء في بيان مشترك.
وتعهّدت الولايات المتحدة بتخصيص 148 مليون دولار لهذا الصندوق.
من جانبها، أعلنت وزير الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أمام أعضاء التحالف الذي يضمّ 86 دولةً، أن بلادها ستقدّم هذا العام نحو 93 مليون دولار لدعم الأعمال الإنسانية والاستقرار في العراق وسوريا.
كذلك، أعلنت بريطانيا العضو في التحالف الذي تأسس عام 2014 لمكافحة التنظيم، أنها ستقدّم نحو 109 ملايين دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفق بيان لوزارة الخارجية. ويترافق ذلك مع تخصيص 19,9 مليون دولار في العامين المقبلين، "للحاجات الإنسانية الملحّة" في سوريا.
ومنذ إعلان القضاء على "الخلافة" عام 2019، انكفأ التنظيم إلى مناطق ريفية ونائية. ورغم ذلك، لا يزال عناصره قادرين على شنّ هجمات دامية.
وفي مستهلّ الاجتماع، دعت واشنطن والرياض الدول الغربية إلى استعادة مواطنيها الذين قاتلوا في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وأفراد عائلاتهم المحتجزين في هذين البلدين.
واعتبر بن فرحان أنه "لأمر مخيب للآمال وغير مقبول إطلاقًا" أن بعض الدول الغنية والمتطوّرة لم تستعد مواطنيها بعد.
يُحتجز عشرات آلاف الأشخاص بينهم أفراد عائلات جهاديين من أكثر من 60 جنسية، في مخيّمَي الهول وروج في شمال شرق سوريا اللذين يديرهما الأكراد، وفي سجون عراقية.
ولم تستعد غالبية الدول مواطنيها. وقد تسلمت دول قليلة عدداً كبيرًا من مواطنيها فيما اكتفت أخرى، خصوصاً الأوروبية، باستعادة عدد محدود من النساء والأطفال.
وقال بلينكن إن "الإخفاق في استعادة المقاتلين الأجانب قد يؤدي بهم إلى حمل السلاح مرة جديدة".
ويأتي اجتماع التحالف غداة تأكيد بلينكن لكبار دبلوماسيي مجلس التعاون الخليجي أن واشنطن لا تزال "منخرطة بعمق" في الشراكات معهم.