لماذا تتولى جنوب أفريقيا مهمة مقاضاة إسرائيل وما الذي تشكله هذه الخطوة؟
الجمعة 12 يناير 2024 الساعة 00:26
سبوتنيك

مع بدء جلسات الاستماع في محكمة العدل الدولية حول دعوى جنوب أفريقيا ضد ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، يطرح البعض تساؤلات عن الأسباب التي دفعت جنوب أفريقيا لتولي زمام القضية كونها دولة غير عربية أو إسلامية.

واتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، معتبرةً أن الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لا يمكن أن يبرر أفعالها في قطاع غزة.

من جانبها، اتهمت وزارة الخارجية الإسرائيلية، دولة جنوب أفريقيا بأنها "الذراع القضائية لحركة حماس الإرهابية"، على حد وصفها.

وقال ممثل جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل، إن إسرائيل شنت هجوما كبيرا على قطاع غزة، وانتهكت اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية. وقال وزير العدل في جنوب أفريقيا رونالد لامولا: "لا يمكن لأي هجوم مسلّح على أراضي دولة مهما كانت خطورته... أن يقدّم أي تبرير لانتهاكات الاتفاقية".

جنوب أفريقيا والدعوة

اعتبر الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلاقات الدولية الفلسطيني، أن إقدام جنوب أفريقيا على مقاضاة إسرائيل له عدة أبعاد وتداعيات على المشهد الدولي، فمن الناحية التاريخية عانت جنوب أفريقيا طويلا من الاضطهاد والعنصرية المقيتة وبالتالي تتحرك من منطلق شعورها بما تمر به فلسطين من ويلات الحرب والإبادة.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، دولة جنوب أفريقيا تحظى بثقة كبيرة لدى الغرب عموما كونها دولة ديمقراطية بخلاف الدول العربية، وبالتالي تكون هي الأقدر على ذلك، لا سيما وأنها عانت من إسرائيل التي كانت حليفًا وداعما للنظام العنصري البائد في جنوب أفريقيا قبل عام 1990.

أما عن أهمية القرار من الناحية القانونية، أكد شعث أن هناك أمرين كانت في حسابات الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا، الأول أن محكمة العدل الدولية جهة ليست تنفيذية وليست ملزمة، وبالتالي أرادت من المحكمة إثبات حالة بوقوع جريمة الإبادة العرقية، وحال الإثبات تريد قرارا فوريا بوقف حرب الإبادة الدائرة في فلسطين.

وتابع: "في حال قررت المحكمة ثبوت الدعوى بالإبادة هذا يعد انتصارا كبيرا للعدالة والقانون الدولي وكذلك يشرع الباب لإصدار قرار عاجل بوقف الحرب، كما أن ثبوت الدعوى يضغط على المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بضرورة إصدار مذكرة اعتقال لقادة الاحتلال ومجرمي الحرب وهو ما سعت له القيادة الفلسطينية منذ سنوات وقد تقدمت للجنايات الدولية بطلب للتحقيق في جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ حرب 2014 وللأسف لم يتم البت فيها".

ويرى شعث أنه "في حال صدور أي قرار يصبح المدعي العام للجنايات الدولية ملزما بالتحقيق وإصدار مذكرة اعتقال لقادة الاحتلال بصفتهم أفرادا ارتكبوا جرائم الإبادة والحرب وضد الإنسانية".

معاناة فلسطينية

قال الدكتور أحمد فؤاد أنور، أكاديمي مصري والخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن إقدام جنوب أفريقيا غير العربية والإسلامية على مقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في جرائم الإبادة التي ترتكبها بحق فلسطين، يأتي من دولة عانت من الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري حتى تحررت.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هذه الخطوة تعتبر لطمة كبرى لإسرائيل، وجنوب أفريقيا تستدعي كل هذه الملاحم والكفاح في الحالة الفلسطينية، وهي أيضا ترد الجميل للدول العربية التي وقفت بجانبها ودعمت حركات التحرر التي قادها نيلسون مانديلا، لا سيما مصر.

وأكد أن الإفادة القانونية التي قدمتها أمام المحكمة كانت موفقة جدًا، حيث أشارت لمعاناة الفلسطينيين، واستهداف إسرائيل للمستشفيات والأطفال والنساء ومنع دخول مواد الإغاثة، مع إبراز تصريحات الوزراء والسياسيين حول إبادة المواطنين في قطاع غزة، معتبرًا أن هناك احتمالة لوصول الأوضاع في فلسطين إلى ما وصلت إليه في جنوب أفريقيا من سقوط الفصل العنصري ووقف الإبادة والاحتلال وحصول المواطنين على حقوقهم.

وقال إن هذه الخطوة تمثل لطمة كبيرة لإسرائيل حتى ولو لم يتم استكمال العملية على النحو الأمثل والنزيه، حيث فشلت إسرائيل في تقديم نفسها كضحية، وفشلت ما سعت في تقديمه، وباتت صورتها أمام العالم سلبية، لا سيما في ظل الإسنادات القانونية التي تجعل من وقف العدوان واجب، حتى إذا تحايلت إسرائيل وعطلت واشنطن القرار.

وأوضح أن إسرائيل تتعامل بجدية وسرعة مع الملف، حيث كلف رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية بالدفاع عن إسرائيل، وتسعى المخابرات الإسرائيلية للبحث عن وسائل للضغط على الرأي العام والقضاة ودولهم، ومحاولة ابتزازهم أو مساومتهم، لكن في النهاية ستكون قرارات المحكمة في صالح فلسطين، وهي خطوة موفقة وفريق دفاع جنوب أفريقيا وكل من سانده من الدول العربية والإسلامية كان أداؤه رائعا، وهي خطوة كبرى تحققت ويمكن التعويل عليها للجم العدوان وإعادة بعض حقوق الفلسطينين على الأقل على المدى المنظور.

وفيما يتعلق بموضوع التطبيق، قال إن هناك تدابير وقتية تنفذ خلال أيام ويتم إصدارها بشكل عاجل، وقد تتضمن وقف العدوان على غزة وإدخال المساعدات، ومن أجل تنفيذه يتم تحويله إلى مجلس الأمن، وهنا يوجد احتمالية لاستخدام أمريكا لحق النقض الفيتو، مؤكدًا أن الحكم في القضية بشكل عام يستغرق سنوات، وهناك لجنة تحقيق لمواكبة التدابير الوقتية، وفي النهاية ما يحدث يدحض الرواية الإسرائيلية وكل ما استثمرت فيه إعلاميا وسياسيا.

يذكر أنه مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة، ومع فشل المحاولات الدبلوماسية كافة لوقفها، لجأت جنوب أفريقيا إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.

وتقول الدعوى إن "تصرفات إسرائيل كانت بمثابة إبادة جماعية بطبيعتها، وبالتالي انتهكت الدولة التزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية".

متعلقات