تحسن الريال اليمني.. خطوة أولى على طريق طويل نحو التعافي الاقتصادي الشامل
الأحد 3 أغسطس 2025 الساعة 07:02
متابعات

شهد الريال اليمني تحسنًا لافتًا- خلال الأيام الماضية- في مناطق الحكومة الشرعية، حيث هبط سعر صرف الدولار من نحو 2900 إلى حدود 1500 ريال في انعكاس سريع لحزمة إجراءات تبناها البنك المركزي اليمني في عدن. لكن هذا التحسن، الذي اعتُبر إنجازًا مرحليًا مهمًا، لا يزال مهددًا بالانتكاس ما لم تُتخذ خطوات أكثر شمولًا لضمان استمراره وتحويله إلى استقرار دائم.

 

نتائج مرهونة بالإصلاح المؤسسي

 

أطلق البنك المركزي اليمني سلسلة إجراءات للسيطرة على سوق الصرف، تضمنت تقييد المضاربة العشوائية، وتشديد الرقابة على شركات ومحلات الصرافة، ومنع عمليات شراء العملات الأجنبية دون بيعها، إضافة إلى تنظيم السيولة النقدية وتعزيز الشفافية المصرفية. وأسهمت هذه التدخلات المباشرة في استعادة جزء من قيمة العملة الوطنية خلال فترة زمنية وجيزة.

 

لكن؛ في المقابل، يرى خبراء اقتصاديون أن هذه النتائج الإيجابية قد لا تدوم طويلًا في ظل هشاشة الوضع الاقتصادي والانقسامات المؤسسية بين صنعاء وعدن.

 

في هذا السياق، يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور علي مهيوب العسلي؛ إن التحسن الأخير في سعر صرف الريال اليمني يُعد خطوة إيجابية، لكنه لا يكفي وحده للخروج من الأزمة ما لم يُعزز بإجراءات أوسع وأكثر عمقًا.

 

وأوضح العسلي- في تصريح لوكالة "2 ديسمبر"- أن الاقتصاد اليمني لا يزال يواجه تحديات جوهرية تهدد استقراره، أبرزها غياب الإنتاج المحلي الحقيقي الذي يمكنه من تغذية السوق بالعملة الأجنبية، إلى جانب شحّ الموارد العامة والمساعدات الدولية، وهو ما يترك الحكومة في مواجهة أعباء مالية متراكمة دون روافد تمويلية مستدامة.

 

وأكد أن استدامة التحسن في قيمة العملة تظل رهينة بتوحيد المنظومة المصرفية تحت مظلة البنك المركزي في عدن، وعودة الثقة الشعبية بالمؤسسات المصرفية الرسمية.

 

وحذّر العسلي من أن الاكتفاء بالمعالجات المؤقتة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، تشمل عودة السوق السوداء، واستئناف تهريب الأموال إلى خارج النظام الرسمي، وتآكل الاحتياطي النقدي، وفقدان الثقة مجددًا بالبنك المركزي والبنوك المحلية.

 

وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة تحويل هذا التحسن الظرفي إلى مكسب استراتيجي عبر إصلاحات متكاملة تشمل: دعم الإنتاج المحلي، وتنشيط الصادرات، وتعزيز استقلالية وشفافية البنك المركزي، وإعادة تحريك قطاعي النفط والغاز كأولوية وطنية، إلى جانب إشراك القطاع الخاص في صياغة السياسات الاقتصادية لضمان شمولية الحلول وواقعيتها.

 

من جانبه، أكد الباحث الاقتصادي محمد الأغبري، أن التحسن المفاجئ في سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، رغم أهميته، لا يمكن أن يتحول إلى حالة استقرار دائم ما لم تُستكمل بقية الإجراءات المؤسسية والاقتصادية الضرورية.

 

ويرى الأغبري- في حديثه لـ"2 ديسمبر"- أن الإجراءات الحالية يجب أن تُتبع بخطوات جادة ومستدامة على أكثر من صعيد لتثبيت التحسن أهمها: تشكيل شبكة موحدة للمجموعات المالية والمصرفية، وتعزيز الإيرادات العامة من خلال قرارات حاسمة لمعالجة الاختلالات في آلية تحصيل الموارد وتوريدها إلى الحساب الحكومي العام..

 

كما شدد على ضرورة تفعيل التنسيق الفوري والفعّال بين وزارة المالية والبنك المركزي في عدن، لضمان انسيابية الأداء المالي والرقابي، وتقوية المنظومة النقدية بشكل متكامل.

 

التأثير على حياة المواطنين

 

رغم التحسن في سعر الصرف، لا تزال الأسعار في الأسواق على حالها، دون تخفيض ملموس في أسعار المواد الغذائية أو المشتقات النفطية ومواد البناء، ما يثير تساؤلات المواطنين حول غياب الانعكاس الفوري لهذا التعافي النقدي على معيشتهم اليومية.

 

في هذا الخصوص، يشير الباحث الاقتصادي الأغبري إلى أن تحسين سعر الصرف يجب ألّا يبقى مجرد رقم في المؤشرات المالية، بل يجب أن ينعكس بشكل ملموس على حياة المواطنين.

 

يقول الأغبري: "لا جدوى من تعافي الريال إذا لم يلمس المواطن انخفاضًا مماثلًا في أسعار المشتقات النفطية والمواد الغذائية ومواد البناء والسلع والخدمات الأساسية والكمالية"، مؤكدًا أن "التحسن في العملة يجب أن يقترن بتخفيض حقيقي في أسعار السوق".

 

وأضاف أن الخطوات التي اتخذها البنك المركزي في عدن- خلال الأيام الماضية- تُعد جريئة وفعّالة، لكنها بحاجة إلى دعم وتكامل من جميع مؤسسات الدولة، محذِّرًا من أن غياب الحزم في متابعة هذه الإجراءات سيقود إلى تقويض المكاسب المحققة.

 

وشدد الأغبري على ضرورة "اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي جهة تتلاعب بأسعار الصرف أو ترفض توريد الإيرادات إلى الحساب الحكومي العام، لأن ذلك يعني ضرب الاستقرار النقدي من جذوره وتعريض السوق لارتداد حاد في أي لحظة".

 

بدورها، تطالب منظمات مجتمع مدني وخبراء اقتصاد بتفعيل الرقابة على الأسواق وإلزام التجار بخفض الأسعار بما يتناسب مع التحسن في سعر صرف العملة، واعتبار ذلك جزءًا من خطة الاستقرار الشامل.

 

وفيما أصدرت وزارة الصناعة والتجارة تعميمًا بتخفيض أسعار السلع، ونشرت تسعيرة جديدة لها، أعلنت شركة النفط عن خفض في أسعار المشتقات النفطية، في خطوة إيجابية للتفاعل مع تحسن سعر الصرف. وبالتزامن، نزلت فرق ميدانية إلى الأسواق للرقابة على الأسعار.

 

المكسب مهدد ما لم يُحسن استثماره

 

في ضوء ما تحقق، يرى مراقبون أن نجاح البنك المركزي في إحداث هذا التحسن يُعد خطوة شجاعة في توقيت حساس، لكنها تحتاج إلى دعم سياسي ومؤسسي، وإرادة حكومية صلبة، وإصلاح مالي شفاف لضمان استمرارها.

 

ويُجمع محللون على أن استقرار الريال اليمني هو الشرط الأول لأي خطة تعافٍ اقتصادي في البلاد، وأن المعركة لم تنتهِ بعد، بل بدأت للتو.

متعلقات