ربما المسمى غريبآ نوعآ ما ؛ لكنها الحقيقة ، الحقيقة، المرة والواضحة التي ظللنا نوهم أنفسنا بأننا على قيد حياة ، ونحن للأسف نمارس شبه حياة يوميآ ، عايشين قلفده " المسمى الأعمق والأقرب لكل أشكال الحياة في بلدنا، هي أقرب للجملة الساخرة التي نضل نربت على أكتاف بعضنا " عايشين عناد.. ؟!
قلفده هو التعليم الذي أصبحنا نمارس نصفه، ونعطي نصفه ،ونزهق ماتبقى منه ؛ مسرعين في تلقيه وعلى عجلة في إعطائه، مجبرين أن ننجزه في المدة الموقعة أدناه .. ومجبر المتلقي على أخذ نصفه، إن اكتمل المنهج أو لم يكتمل ، نحن في سباق مع العودة للوراء بدون اكتمال،مع المضي تراجعآ إلى الخلف ،مع البلادة لجيل لم ينل من التعليم إلا نصفه أو زد عليه، وعد به قليلآ..؟!
قلفده وشهادة نصف مكتملة لنصف طالب لم يكمل تعليمه بعد..؟!
قلفدة هي الصحة التي أصبح معتنقيها بلا ضمير ولا إنسانية ، يمارسها البعض كتجارة ، وتزهق فيها أرواح بلا عقاب ولا مساءلة .
قلفدة هي العمليات التي تجرى للمرضى بلا شعور ولا إحساس بالمسئولية تجاه روح بشر قد تقتل في أي لحظة لخطأ طبي ، وإهمال متعمد ولامبالاة ؛ وكأن الروح التي بين يديه لاتعنيه ، غير مدرك بأن هناك ينتظرها ، من يحبس أنفاسه ويغلق مسامعة عن أي شي إلا عن سماع عبارة واحدة يهمس بها الدكتور على أذنيه " : اطمئن نجحت العملية والمريض بخير "
لا أن يسمع العبارة الشهيرة التي اعتاد الكثير من الشراحين" أشباه الدكاترة " فاقدي الإنسانية ومتجردي المهنة ، المتسلقين على حساب حياتنا المتاجرين بأرواحنا...؛ على قولها ساخرين أو ربما قاصدين ؛ ولكنها تعبير صريح لفشلهم
" نجحت العميلة بس المريض مااات...؟!
هذه هي الحقيقة الأشهر والأعمق لواقعنا والأقرب لمهنة الطب في بلدنا، والتي يجب أن توضع أمام غرف العمليات ؛ ليعرف الجميع فداحة الجرم الذي يرتكب بداخلها ، وتلك الأرواح التي تلفظ أنفاسها على عتبات الموت المحقق والذي لا مفر منهم إلا إليه..؟!
قلفده هي وظيفة الإستعباد والإذلال التي ترغمك على الصمت، وتجبرك على التحمل والصبر ،بدعوى أنك لازلت تتنفس كما يقولون، وعلى قيد الحياة كما يهمسون كعادتهم على مسامعك؛ ولم تذهب بقدميك للموت كما فعل الآخرين من بعدك ؛ لترضى بعدها بالفتات كيفما كان وتصمت..
قلفده" قل شكرآ لازلت أتنفس ، وقل الحمد وتنحى جانبآ كي لا تصدم..؟!
قلفده قولها ليسمعوك ضجيجها "
ماودي أرفع صوتي خلوني شايف ساكت..؟!
قلفده هي الكتابات المليئة بالشتات والفرقة، الداعية لمزيدا من الخصام والبغضاء ، الكتابات التي تسمم عقولنا بمعتقدات مذهبية، طائفية، عنصرية خاطئة، وتعبئة مشحونة بأفكار ملغومة ،وكلمات مغلوطة مليئة بالحقد والكراهية ، وثقافة النيل من الآخر والتحريض لقتله...
قلفده هي الكتابات التي لم تدع أحدآ إلا ونالت منه ،الداعية للتقديس وتطهير القديس، المتناقضة في أحرفها ؛ كي لا ترتدي ثوب الطهارة ،المتغلفة بغلاف الدين، المذهب، الطائفة، الحزب، العنصرية المقيته ، المتلونه بأفكارها، وأرائها المتخبطة عن الحقيقة، المتوارية خلف ستار النفاق والخديعة ..
قلفده هو الوطن الذي أصبحنا نعيش فيه كالغرباء وعابري السبيل .. هذا الوطن الذي لم يعد يحمل من أسمه سوى ألوان العلم،والكثير الكثير من المحن .. الوطن الذي لم يعد هناك شيئآ حقيقيآ يعبر عنه سوى البلاء و العناء.. الوطن الذي افتقدنا فيه الشعور بالإنتماء والهوية وكأننا لاجئين على تراب أراضية أو ربما سواح ، إما أن نستنشق فيه هواء نقيآ، عادلآ ، آمنا ، كريمآ ،أو نرحل عنه لبلد آخر يؤمن بوجودنا، ويحترم قدسيتنا وحقنا في الحياة ،في الحلم، في البناء، وحتى في الحكم إن أردنا وإن هم أفسحو المجال أمامنا لنحيا...؟!
قلفده وطنا " الذي يتغنى به العابثون ليقفو على أوجاعة، ويتفاخر به الساسة ليتسلقو معاناته ، ونبقى نحن حبيسين ألغامة ، ننتظر الضوء الذي ينتشلنا من السواد وينسينا الظلام الجاثم على صدورنا منذ سنوات وألآف الأزمات..
قلفده هي الشعارات الرنانة والخطابات الجوفاء بأنا أحرار ؛ نحن ياهذا رهن الإعتقال ؛ لم يعد فينا قرار ؛ القرار الأوحد الأوحد بأيدي الجبناء ...
قلفده هي الأيام التي أصبحنا نعيشها بلا سلام يلتف بنا ويقينا ،بلا نظام يحفظ وجودنا ويصون كرامتنا، بلا قانون يحمي حقوقنا ، وبلا رادع يحفظ ماء وجهنا ، قلفده هي حياتنا التي أضعنا معظمها في الأمنيات، وأوهمنا أنفسنا غباءآ وأوهمونا كذبا بأن الحرب على وشك الإنتهاء ، وبأن من أشعلوها سيطفئونها لأجلنا ؛ غير مدركين نحن بأنهم يقتاتون من بقاءها ،من كمية الدماء التي تسقط منا ، وتلك الجروح التي التي تلطخ أجسادنا وتبترها ،نحن وقودها وهم الذي يستضيئون من وقودنا ،ويصفقون حولنا .. لن ترى الدنيا على أرضي صغيرا ...
قلفده هي سنوات الحرب التي أحدثت بداخلنا كل هذا الشرخ والعناء ، والمزيد المزيد من الأشقياء ، قلفده أن تقضى سنوات عمرنا في البحث عن حياة تشبه حياة الآخرين من حولنا ؛ لا أن نظل متخبطين بلا إنتباه ، نفنيها في ترتيب خدوش ملامحنا، وإخفاء تجاعيد الحرب التي عبثت بنا ،وأخذت الكثير منا، وانتهكت أحلامنا بلا رحمة، ولازالت تفتك بنا كل يوم ونهاية كل مساء ..
مؤسف أن تسمع صغيرآ بعمر الخامسة يهمس في أذن طفلآ بعمره " عندما كنا صغارآ " إنها الحرب التي جعلت الولدان شيبآ، كيف لنا أن نعالج آثارها .؟ كيف لنا ياصغيري أن نخبرك ثانية بأنك لازلت طفلآ ولم تتعدى الخامسة .؟
كيف لنا أن نستعيد طفولتك ونمحي عن ذاكرتك عناء الحرب ووحشة الدماء ، وأصوات البكاء، وعويل الكبار ..؟
هل محت الحرب طفولتك ، هل أيقظتك سنآ ،أم تركتنا أطفالآ أمامك .؟
ربما ستشرق شمسنا يومآ وينتهي عبثآ مسمى قلفده...
# لطيفة الفقيه