في الماضي، كان شهر سبتمبر يمر علينا كمناسبة وطنية عابرة، نحتفل بها بقليل من الاهتمام، ليس لأننا لا نقدّرها، بل لأننا كنا، إلى حد ما، مغيبين عن عمقها ومعناها. كان ذلك الاحتفال الرسمي يخفي وراءه إرثاً عظيماً لم ندرك أبعاده الكاملة. لكن، مع ظهور النسخة الإمامية الحوثية الجديدة بثوبها الأقذر، استيقظت فينا روح جديدة، روح أعادت لنا الوعي بأهمية ذلك الإنجاز العظيم الذي تحقق في ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢، اليوم الذي أضاء اليمن بنور الحرية والجمهورية.
قبل عام ١٩٦٢، كان اليمن غارقاً في ظلام الإمامة، حيث كانت الحياة تخضع لسلطة الفرد الواحد، تكبّل الإرادة الشعبية وتغرق الناس في الجهل والتخلف. كانت الأحلام محصورة، والطموحات مقيدة، والحياة كئيبة تحت وطأة نظام استبدادي لم يعرف الرحمة أو العدالة. الناس كانوا يعيشون في ظل قيود اجتماعية وسياسية خانقة، حيث لا صوت لهم ولا إرادة. لكن في ٢٦ سبتمبر، انبثق فجر جديد، فجر الثورة التي حطمت أغلال الإمامة، وأعادت لليمنيين كرامتهم وحريتهم. لقد كان ذلك اليوم بداية لعهد جديد، عهد الجمهورية التي أعطت الشعب صوتاً وحقاً في تقرير مصيره.
بعد ١٩٦٢، تغيرت الحياة. بدأ اليمنيون يتنفسون هواء الحرية، وبدأت الدولة الحديثة تتشكل بمؤسساتها ومدارسها ومستشفياتها. رغم التحديات، كان هناك أمل، وكان هناك طموح لبناء يمن جديد. اليوم، وبعد كل هذه السنوات، يزداد ٢٦ سبتمبر وهجاً وقوة وانتماءً في قلوب اليمنيين. إنه ليس مجرد تاريخ، بل رمز للكرامة والحرية، رمز يتجدد في كل عام بعزيمة أقوى وإصرار أكبر على التمسك بمبادئ الثورة.
لكن هذا اليوم المجيد لم يكن مريحاً للإماميين. لقد كان ٢٦ سبتمبر كابوساً مرعباً بالنسبة لهم، لأنه اليوم الذي أطاح بسلطتهم الظلامية. وحين حاولوا، في ٢١ سبتمبر، فرض نكبتهم كنوع من المشاغبة والتحدي، لم ينجحوا إلا في إبراز قوة ٢٦ سبتمبر أكثر. حتى في حديثهم عن يومهم المشؤوم، يظل ٢٦ سبتمبر هو الرقم الذي يتردد، هو اليوم الذي ارتبط باليمني واليمن، هو الشعلة التي لا تنطفئ في وجدان الشعب. كل محاولاتهم للنيل من هذا اليوم لم تزده إلا عزيمة وصلابة، ولم تزد اليمنيين إلا تمسكاً بثورتهم وانتماءً لها.
٢٦ سبتمبر ليس مجرد ذكرى، إنه وعد متجدد بالحرية، وعهد بالكرامة، وإرادة شعب لا ينكسر. إنه اليوم الذي يذكرنا بأننا شعب قادر على تحدي الظلم وصناعة المستقبل. وفي كل عام، يزداد هذا اليوم تألقاً، لأنه يعيش في قلوب الأحرار، وفي أحلام كل يمني يؤمن بوطن حر وعادل.
في ها الميلاد العظيم، نهنئ كل الأحرار في اليمن، ونخص بالتهنئة إخواننا في مناطق سيطرة الإمامة، الذين يقاومون الظلم بصمودهم وإيمانهم بالحرية. لكم منا كل التحية والتقدير، وليبقَ ٢٦ سبتمبر شعلة تنير درب اليمن نحو مستقبل مشرق. عاش اليمن حراً، وعاشت الجمهورية!