من القرارات الكارثية الجنونية التي لم تبنى على أي معايير وتعارضت حتى مع الدستور والقانون، وتعدت على قدسية القضاء ومكانته وهيبته، ونالت من شخصية قضائية واكاديمية ووطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والاخلاص، قرار إقالة النائب العام القاضي الدكتور علي بن أحمد الاعوش، وهو القرار الذي أدى الى موجة سخط وغضب واحتجاج في اوساط القضاة والمواطنين في عدن والجنوب، والمناطق المحررة عموما، ذلك لإنه قضى بإقالة واحد من اشرف واجدر رجال المؤسسة القضائية باليمن، ونتج عن ذلك اضراب من كل النيابات واغلاق مقر النيابة العامة في العاصمة عدن حتى اللحظة .
عمل الدكتور علي الاعوش نائبا عاما في اصعب مرحلة شهدتها اليمن حيث صدر قرار تعيينه في ابريل ٢٠١١م ثم عين مرة اخرى بقرار من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي حين شكل مجلس القضاء الاعلى من جديد، وكان جديرا بهذه المهمة العظيمة التي تولاها بكل امانة رافضا اي انحياز سياسي متخذا من المهنية القصوى منهجا في العمل، ومن الشرع والقانون مرجعية وحيدة في كل مهامه القضائية والادارية، وبعد الانقلاب في صنعاء لم يعمل مع المليشيا وغادر اليمن في رحلة علاج ليعود بعدها الى العاصمة عدن بعد تحريرها ، ومن هناك ينطلق في اعادة تشغيل النيابات العامة في عموم المناطق المحررة بدون اي دعم، بل انه استغل الموازنة البسيطة المبوبة في ميزانية الدولة للنيابة العامة ومنها شغل كل النيابات ورمم مبنى النيابة العامة بعدن وعدة محافظات ومن هذا المبلغ شيد المرحلة الاولى من مجمع النيابات في المكلا .
الدكتور علي الاعوش رجل دولة من طراز رفيع مهني يحضى باحترام كل رجال القضاء، ونزيه ومخلص ومنحاز للناس، وبهمة عالية وبصمت مطبق صنع مالم يصنعه غيره حتى حقق مؤشرات تقييم عالية لعمل النيابة تجاوزت النسبة التي كانت قائمة قبل سقوط الدولة، وكل ذلك بجهده وجهود جباره لفريقه من اعضاء النيابة في عموم المحافظات، وقد تمكنت النيابة العامة من تقديم خدماتها للمتقاضين واحرزت نجاحات باهرة، كما حصل مع ملف السجناء في عدن الذي فككته النيابة العامة بتعاون القيادات العسكرية والامنية في عدن وتعاون الاشقاء في التحالف وخلال اشهر تم اطلاق اكثر من الف سجين بعد تجميعهم من السجون التابعة للوحدات الامنية والعسكرية الى سجن واحد انشيء على نفقة الاشقاء الامارات في بئر احمد وانشاء وكالة نيابة مستعجلة، للفصل في قضاياهم وتم الافراج عن جميعهم وفقا للقانون واحالة قضايا بعضهم الى المحاكم للفصل فيها والاكتفاء في اغلب الحالات بالضمانات الحضورية وبهذا تم اغلاق ملف خطير استغله الاعداء للاساءة للشرعية والمجلس الانتقالي والاشقاء في التحالف باسم "السجون السرية" .
الحديث عن جهود وانجازات وتاريخ الدكتور والقاضي والاكاديمي علي الاعوش يحتاج لمجلدات، لكن الموجع في الامر هو الخاتمة المهينة بحق رجل كان يستحق التكريم الاول على مستوى البلد والاقليم لانه ثبت في ايام الفرار والانفلات وقدم نموذجا لرجل الدولة الذي لا ينهزم للصعوبات ولا يجعل من الوضع والحرب مبررا للهروب من المسئولية والمعركة كلا في مجاله ، وبدلا من تكريمه يقال بلا سبب الا انه لم يتفاهم مع "ولد الرئيس" مثلا او لم يتحول من قاضي الى متزلف ومنافق يستخدم سلطة القضاء في خضم الصراعات الحزبية .
ومثل هذه القضية التي تبرز مدى الضرر الذي الحقته القرارات الكارثية بمؤسسات الدولة لا يجب ان تنسى، وبعد ما حدث من نقل السلطة وفق برنامج قائم "على الاقل" في ظاهره على احترام القانون وشعاره استعادة الدولة فإن اعادة الاعتبار للقضاء إبتداءً هي خطوة يجب ان تكون اولى وذات اولوية قبل غيرها ، وقد تألمت حين سمعت ان مجلس القيادة الرئاسي التقى بالسلطة القضائية في عدن ولم يوجه الدعوة للدكتور الاعوش للحضور لاسيما وان القرار الكارثي لم يرحب به نادي القضاة ولا رجال النيابة ورحب به الدكتور المثالي وانزوى بصمت في الوقت الذي البلد بحاجة ماسة لوجوده وامثاله ، وهو خطأ اتمنى ان يتم تداركه من جانب فخامة الرئيس واصحاب السعادة نوابه في مجلس القيادة ، ومجلس القضاء الاعلى لن يكون اهلا لامضاء القانون واستعادة هيبة القضاء وهو لم يعمل شيئا لانصاف اهم اعضاءه وأكفأ رجاله ، ويكفينا هماً اننا في بلد ننتظر فيها انصاف النائب العام الذي وظيفته في كل الدنيا انصاف الناس وتطبيق الشرع والقانون وتجسيد العدالة في حياة الشعوب ، والله من وراء القصد ..