م. دلال حمزة
‏حين يعيد التاريخ نفسه… من مأساة 67 إلى نكسة 86
الجمعة 19 ديسمبر 2025 الساعة 16:59

حين لا تتعلم الشعوب من دروس التاريخ، يتحول الماضي من ذاكرة إلى قدر، ومن تجربة إلى لعنة تتكرر بأسماء ووجوه جديدة. وما أشبه اليوم بالأمس، حين نرى مشهداً يعيد إلى الأذهان مأساة عام 1967، بكل ما حملته من شعارات كبرى وانكسارات موجعة، تمهيداً لانفجار داخلي أشد قسوة، كما حدث في 1986.

 

الفئة المستميتة في الدفاع عن قيادة بعينها، لا تدافع في الحقيقة عن الجنوب ولا عن قضيته، بقدر ما تدافع عن مصالح ضيقة، ومواقع نفوذ، وسلطة عمياء لا ترى أبعد من كرسيها. هذه الفئة أثبتت، بالقول والفعل، أنها غير أمينة على الجنوب، ولا على تطلعات أبنائه، ولا على التضحيات التي قُدمت باسمه.

 

الأخطر من ذلك، أن هذه الجماعة لا تمتلك الأهلية السياسية ولا الأخلاقية لتحمل مسؤولية الأمن القومي العربي. فكيف لمن يحلل كل الأساليب، ويبرر كل التجاوزات، ويغلف العنف والفوضى بشعار “الجنوب”، أن يكون شريكاً موثوقاً في حماية أمن إقليمي أو عربي؟ إن من يعبث بأمن الداخل، ويستسهل كسر النسيج الاجتماعي، لا يمكن أن يكون حارساً لأمن أمة.

 

التاريخ يخبرنا بوضوح: المشاريع التي تُبنى على الإقصاء، وتُدار بالعصبية، وتُسوق بالخوف والتخوين، نهايتها دائماً مأساوية. 1986 لم تكن حادثة عابرة، بل نتيجة حتمية لمسار مغلق، وعقلية لا تقبل الشراكة ولا تحتمل الاختلاف. واليوم، حين تتكرر ذات اللغة، ونرى ذات السلوك، يصبح التحذير واجباً لا خيانة، وقراءة التاريخ ضرورة لا ترفاً.

 

قضية الجنوب أكبر من أي قيادة، وأسمى من أي فصيل، وأعمق من أن تُختزل في أشخاص أو شعارات. هي قضية شعب، وكرامة، ومستقبل، ولا يمكن حمايتها إلا بعقل سياسي مسؤول، وشراكة وطنية، واحترام لمعادلات الإقليم، وليس بالمغامرة، ولا بتفجير الداخل، ولا ببيع الوهم.

 

من لا يتعلم من 67، سيقوده الغرور حتماً إلى 86 أخرى… والتاريخ لا يرحم من يصرّ على تكرار أخطائه.

 

اقرأ أيضاً